سورة الإسراء [17:1]
سورة الإسراء
ترتيبها في القرآن (17)، وترتيبها في النزول (50)؛ نزلت بعد عام الحزن بعد أن فقد رسول الله ﷺ زوجه خديجة، وفقد عمه أبا طالب، ولجأ إلى الطائف؛ فقُذف بالحجارة، وعاد إلى مكة حزيناً منكسر القلب؛ فجاءت حادثة الإسراء والمعراج؛ لتغطي على تلك الأحداث، وتدخل الأمن، والطمأنينة إلى قلبه ﷺ.
﴿سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾:
﴿سُبْحَٰنَ﴾: اسم مصدر لفعل سبّح؛ أي: أنزهُ الله تنزيهاً مطلقاً: أن يكون له شبيه، أو مثيل في كمال الذات، وكمال الصفات، وكمال الأفعال؛ لتبقى ذاته متفردة بالوحدانية، وكمال القدرة العجيبة الّتي خلقت الأزواج كلها، والّتي سَرت بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرجت به؛ ليكون قاب قوسين أو أدنى، والّذي بيده ملكوت كل شيء رب السّموات والأرض، رب العرش العظيم، تنزيهاً له عن ذوات خلقه، وعن الولد، والبنت، والصّاحبة، والشّريك تنزيهاً ثابتاً ودائماً من قبل أن يخلق من ينزهه، تنزيهاً يدل على الثبوت والدوام. ارجع إلى سورة الحديد آية (1) لمزيد من البيان.
﴿ٱلَّذِىٓ﴾: اسم موصول (معرفة) يختص بالمفرد المذكر يفيد التّعظيم؛ أي: الله سبحانه، ولم يقل: سبحان من أسرى. من: عامة تشمل المفرد، والجمع، ونكرة.
﴿أَسْرَىٰ﴾: من السُّري: وهو السير ليلاً مبني على السّر، والخفاء.
﴿بِعَبْدِهِۦ﴾: الباء: للإلصاق؛ أي: بمحمد ﷺ ببدنه، وروحه، ونفسه معاً، وليس فقط بالروح، والهاء: تعود إلى الله سبحانه، وتدل على التشريف.
﴿لَيْلًا﴾: تعني: في تلك الليلة، وتفيد التّوكيد؛ لأنَّ أسرى تعني: السير ليلاً، وتعني: الإسراء، تم في جزء من الليل، ولم يستغرق الليل كله، ولو قال: سبحان الّذي أسرى بعبده الليل؛ لكان يعني: أن الإسراء استغرق كل الليل.
﴿مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ﴾: من: ابتدائية؛ ابتداء الغاية المكانية.
﴿ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ﴾: يشمل البيت الحرام: الكعبة، وكل ما هو داخل في حدود الحرم، وهو أول بيت وضع للناس للعبادة، وأول من بناه الملائكة، واختاره الله سبحانه، وسمي المسجد الحرام؛ لأنّه حرّم فيه ما لم يُحرم في غيره من المساجد.
﴿إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا﴾: الأقصى؛ أي: الأبعد، وسمي الأقصى؛ لبعده عن المسجد الحرام، أو عن مكة في ذلك الزمن، ولم يكن وراءه مسجد حينذاك.
﴿ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ﴾: دليل على المبالغة في البركة، بركة دينية كونه مهبط الرسالات والأنبياء، والصّلاة فيه تعادل في الثّواب بـ(خمسمائة صلاة)، وكونه كان قبلة المسلمين الأولى قبل تحويلها إلى بيت الله الحرام؛ فقد صلَّى رسول الله ﷺ نحو بيت المقدس (16-17) شهراً, كما أخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه, وكونه مسرى النبي ﷺ, وموضع عروجه إلى السماء, كما أخرج الإمام مسلم عن أنس بن مالك, وكونه ثاني مسجد وضع للناس في الأرض بعد المسجد الحرام, كما روي عن أبي ذر الغفاري وأخرجه البخاري ومسلم، وبركة دنيوية: من بساتين، وثمار، ومياه، وسعة في العيش، والرّزق, وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الأرض المقدسة وأرض الشام.
﴿لِنُرِيَهُۥ﴾: اللام: لام التّعليل، والهاء: ضمير يعود إلى رسول الله ﷺ؛ فقد أعطاه الله القدرة والقوة على رؤية وتحمل الأشياء التي لا تقوى عليها أي رؤية بشرية؛ سواء أفي الإسراء والعروج إلى السموات العليا التي تحتاج إلى استعداد وتحضير وأجهزة وأوكسجين لا يتصوره العقل.
﴿مِنْ ءَايَٰتِنَآ﴾: من: بعضية، وليس كلها.
﴿ءَايَٰتِنَآ﴾: الكونية، والمعجزات الخارقة للعادة بالإسراء من مكة إلى بيت المقدس، ثم العروج إلى سدرة المنتهى، وتكليمه من وراء حجاب، والعودة إلى مكة في أقل من ليلة واحدة، ورؤيته ﷺ للجنة، والنّار، وملكوت السّموات. وإضافة الآيات إلى الله سبحانه يدل على تشريف الآيات.
﴿إِنَّهُۥ هُوَ﴾: إن: للتوكيد.
﴿هُوَ﴾: ضمير منفصل؛ يفيد التّوكيد.
﴿ٱلسَّمِيعُ﴾: السّميع لأقوال رسوله ﷺ، وأقوال المشركين في السر، والعلن؛ الّذين كذبوا رسول الله ﷺ بعد الإسراء، والمعراج، كما كذبوه قبل الإسراء، والمعراج، ولم يصدقوا ما أخبرهم به عن الإسراء، والمعراج، وأقوال من صدقوه مثل: أبي بكر. والسميع لأقوال خلقه جميعاً.
﴿ٱلْبَصِيرُ﴾: بأفعال رسوله ﷺ، وأفعال المشركين حين آذوه في الطّائف، وبعد عودته إلى مكة من رحلة الإسراء، والمعراج، وأفعال الّذين صدقوه؛ أمثال: أبي بكر وغيره من الخلق جميعاً.
وقوله: ﴿إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾: فيه وعيد للكفار على تكذيبهم لمحمّد ﷺ.