سورة الأحزاب [33:1]
سورة الأحزاب
ترتيبها في القرآن السّورة (33)، وترتيبها في النّزول السّورة (89).
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ﴾: يا أداة نداء للبعد، أيّها: الهاء في أيّها للتنبيه، النّبي: نداء تشريف وتكريم فلم يناده كما نادى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى، فقال: يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى.
ولم ينادي سبحانه وتعالى نبيه محمّد باسمه محمد إلا في أربع آيات لأسباب خاصة، وهي:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِي۟ن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ﴾ [آل عمران: 144].
﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۦنَ﴾ [الأحزاب:40].
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح:29].
﴿وَءَامَنُوا۟ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ [محمّد: 2].
وورد اسم أحمد في آية واحدة وهي قوله تعالى: ﴿وَمُبَشِّرًۢا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِى ٱسْمُهُۥٓ أَحْمَدُ﴾ [الصّف:6].
وليس في هذه الآيات الأربع نداء أو خطاب إلى رسول الله ﷺ، وإنما إخبار عن شأن من شؤونه ﷺ.
ففي كافة القرآن لم ينادِ الله سبحانه وتعالى نبيه محمّداً ﷺ إلا بقوله: يا أيّها النّبي، أو يا أيّها الرّسول تشريفاً له.
وفي سياق الرّسالة والدّعوة والتّبليغ يخاطبه أو يناديه: يا أيّها الرّسول كقوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ [المائدة 67].
وفي سياق الجانب الشّخصي أو الفردي أو الاجتماعي يخاطبه أو يناديه يا أيّها النّبي ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ﴾ [الأحزاب:28]، وكقوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّمَن فِىٓ أَيْدِيكُم مِّنَ ٱلْأَسْرَىٰٓ﴾ [الأنفال:70].
ولنعلم أنّه حين ينادي أو يخاطب الله تعالى رسوله ﷺ؛ المقصود بالنداء والخطاب هو أمته؛ لأنّه ﷺ هو قائد ورسول هذه الأمة وقدوتها.
واعلم أنّ كلّ رسول هو نبي، وليس كلّ نبي رسولاً.
﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾: تعريف التّقوى بشكل عام أن تتقي سخط الله وغضبه وناره، بأن تجعل بينك وبينه وقاية، أيْ: حاجزاً يمنع عنك سخطه وغضبه وناره ويتم ذلك بامتثال وإطاعة أوامره وتجنب نواهيه. والسّؤال: كيف يأمر الله عز وجل رسوله بالتّقوى وهو سيد المتقين؟
وقوله: اتق الله؛ أي: استقم على تقوى الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ [هود:112]، والتّقوى بالنّسبة للرسول غير التّقوى بالنّسبة لسائر الخلق، أو كما قلنا: الخطاب إلى الرّسول والمراد به أمته.
تقوى تناسب مقام المخاطب ولا يعني اتق الله، أنّ رسول الله ﷺ يعصي ربه فيأمره بالتّقوى، ومن المفسرين من فسر اتق الله بقضية تبني زيد، أي: ادع زيداً لأبيه وهو ليس ابنك وأنت لست أبا أحد من الرّجال، كما سنرى في الآيات (4-5).
﴿وَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَٱلْمُنَٰفِقِينَ﴾: حين سألوه أن يطرد الّذين يدعون ربهم أيْ: يطرد أتباعه من ضعفاء المسلمين حتّى يجلسوا ويستمعوا إليه. أو نزلت في أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي حين قدموا إلى المدينة، وسألوا رسول الله ﷺ أن يرفض ذكر اللات والعُزى ومناة، ويقول: إن لها شفاعة فشقَّ على النّبي قولهم. (رواه الواحدي في أسباب النّزول).
﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾: إنّ للتوكيد، كان تشمل كلّ الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، كان ولا زال وسيظل عليماً حكيماً.
عليماً: صيغة مبالغة تعني: كثير العلم أحاط علمه سبحانه بجميع خلقه وكونه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السّموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وعليم بما يقال في السّر والعلن وعليم بنوايا عباده.
حكيماً: أحكم الحكماء، وأحكم الحاكمين، حكيم في تدبير خلقه وكونه وشرعه، حكمته مقرونة بالعلم والقدرة والخبرة.